فصل: (سورة الكوثر: الآيات 1- 3)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة الكوثر مكية:
وآياتها 3.
نزلت بعد العاديات.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الكوثر: الآيات 1- 3]

{إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)}
في قراءة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: {إنا أعطيناك}، بالنون. وفي حديثه صلى الله عليه وسلم: «وأنطوا الثبجة» و{الكوثر}: فوعل من الكثرة وهو المفرط الكثرة.
قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر: بم آب ابنك؟ قالت: آب بكوثر.
وقال:
وأنت كثير يا ابن مروان طيّب ** وكان أبوك ابن العقائل كوثرا

وقيل {الْكَوْثَرَ} نهر في الجنة.
وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأها حين أنزلت عليه فقال: «أتدرون ما الكوثر؟ إنه نهر في الجنة وعدنيه ربى، فيه خير كثير» وروى في صفته: «أحلى من العسل، وأشد بياضا من اللبن، وأبرد من الثلج، وألين من الزبد، حافتاه الزبرجد، وأوانيه من فضة عدد نجوم السماء». وروى: «لا يظمأ من شرب منه أبدا».
أول وارديه: فُقراء المهاجرين: الدنسو الثياب، الشعث الرؤوس، الذين لا يزوجون المنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد، يموت أحدهم وحاجته تتلجلج في صدره، لو أقسم على اللّه لأبرّه.
وعن ابن عباس أنه فسر الكوثر بالخير الكثير، فقال له سعيد بن جبير: إن ناسا يقولون: هو نهر في الجنة! فقال: هو من الخير الكثير. والنحر: نحر البدن، وعن عطية: هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمنى.
وقيل: صلاة العيد والتضحية. وقيل. هي جنس الصلاة. والنحر: وضع اليمين على الشمال، والمعنى: أعطيت مالا غاية لكثرته من خير الدارين الذي لم يعطه أحد غيرك، ومعطى ذلك كله أنا إله العالمين، فاجتمعت لك الغبطتان السنيتان: إصابة أشرف عطاء وأوفره، من أكرم معط وأعظم منعم، فاعبد ربك الذي أعزك بإعطائه، وشرفك وصانك من منن الخلق، مراغما لقومك الذين يعبدون غير اللّه، {وانحر} لوجهه وباسمه إذا نحرت، مخالفا لهم في النحر للأوثان {إِنَّ} من أبغضك من قومك لمخالفتك لهم {هُوَ الْأَبْتَرُ} لا أنت، لأنّ كل من يولد إلى يوم القيامة من المؤمنين فهم أولادك وأعقابك، وذكرك مرفوع على المنابر والمنار، وعلى لسان كل عالم وذاكر إلى آخر الدهر، يبدأ بذكر اللّه ويثنى بذكرك، ولك في الآخرة مالا يدخل تحت الوصف، فمثلك لا يقال له أبتر: وإنما الأبتر هو شانئك المنسى في الدنيا والآخرة، وإن ذكر ذكر باللعن. وكانوا يقولون: إنّ محمدا صنبور: إذا مات مات ذكره.
وقيل: نزلت في العاص بن وائل، وقد سماه الأبتر، والأبتر: الذي لا عقب له. ومنه: الحمار الأبتر الذي لا ذنب له.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الكوثر سقاه اللّه من كل نهر في الجنة ويكتب له عشر حسنات بعدد كل قربان قربه العباد في يوم النحر أو يقربونه». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {إنّا أَعْطَيْناك الكَوْثَر} فيه تسعة تأويلات:
أحدها: أن الكوثر النبوة، قاله عكرمة.
الثاني: القرآن، قاله الحسن.
الثالث: الإسلام، حكاه المغيرة.
الرابع: {أنه نهر في الجنة}، رواه ابن عمر وأنس مرفوعًا.
الخامس: أنه حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة قاله عطاء.
السادس: أنه الخير الكثير، قاله ابن عباس.
السابع: أنه كثرة أمته، قاله أبو بكر بن عياش.
الثامن: أنه الإيثار، قاله ابن كيسان.
التاسع: أنه رفعة الذكر، وهو فوعل من الكثرة.
{فَصَلِّ لِربِّكَ وانحَرْ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: الصلاة المكتوبة، وهي صلاة الصبح بمزدلفة، قاله مجاهد.
الثاني: صلاة العيد، قاله عطاء.
الثالث: معناه اشكر ربك، قاله عكرمة.
{وانحَرْ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: وانحر هديك أو أضحيتك، قاله ابن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة.
الثاني: {وانحر} أي وسل، قاله الضحاك.
الثالث: معناه أن يضع اليمين على الشمال عند نحره في الصلاة، قاله على وابن عباس رضي الله عنهما.
الرابع: أن يرفع يديه في التكبير، رواه على.
الخامس: أنه أراد واستقبل القبلة في الصلاة بنحرك، قاله أبو الأحوص ومنه قول الشاعر:
أبا حَكَمٍ هَلْ أَنْتَ عَمُّ مُجالدٍ ** وسيدُ أهْلِ الأبْطحِ المتناحرِ

أي المتقابل.
{إنّ شانِئَكَ هو الأبْتَرُ} في شانئك وجهان:
أحدهما: مبغضك، قاله ابن شجرة.
الثاني: عدوّك، قاله ابن عباس.
وفي {الأبتر} خمسة تأويلات:
أحدها: أنه الحقير الذليل، قاله قتادة.
الثاني: معناه الفرد الوحيد، قاله عكرمة.
الثالث: أنه الذي لا خير فيه حتى صار مثل الأبتر، وهذا قول مأثور.
الرابع: أن قريشًا كانوا يقولون لمن مات ذكور ولده، قد بتر فلان فلما مات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه القاسم بمكة، وابراهيم بالمدينة، قالوا بتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده، فنزلت الآية، قاله السدي وابن زيد.
الخامس: أن الله تعالى لما أوحى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا قريش إلى الإيمان، قالوا ابتتر منا محمد، أي خالفنا وانقطع عنا، فأخبر الله تعالى رسوله أنهم هم المبترون، قاله عكرمة وشهر بن حوشب. واختلف في المراد من قريش بقوله: {إنّ شانئك هو الأبتر} على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه أبو لهب، قاله عطاء.
الثاني: أبو حهل، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه العاص بن وائل، قاله عكرمة، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عطية:

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}
قرأ الحسن: {إنا أنطيناك}، وهي لغة في أعطى.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واليد المنطية خير من السفلى».
وقال الأعشى: المتقارب:
جيادك خير جياد الملوك ** تصان الجلال وتنطى الشعير

قال أنس وابن عمر وابن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين: {الكوثر}: نهر في الجنة، حافتاه قباب من در مجوف وطينه مسك وحصباؤه ياقوت، ونحو هذا من صفاته، وإن اختلفت ألفاظ الرواة، وقال ابن عباس أيضًا: {الكوثر}: الخير الكثير.
قال القاضي أبو محمد: كوثر: بناء مبالغة من الكثرة، ولا مجال أن الذي أعطى الله محمدًا عليه السلام من النبوة والحكمة العلم بربه والفوز برضوانه والشرف على عباده هو أكثر الأشياء وأعظمها كأنه يقول في هذه الآية: {إنا أعطيناك} الحظ الأعظم، قال سعيد بن جبير: النهر الذي في الجنة هو من الخير الذي أعطاه الله إياه، فنعم ما ذهب إليه ابن عباس، ونعم ما تمم ابن جبير رضي الله عنهم، وأمر النهر ثابت في الآثار في حديث الإسراء وغيره صلى الله عليه وسلم على محمد ونفعنا بما منحنا من الهداية، قال الحسن: {الكوثر}، القرآن، وقال أبو بكر بن عياش: هو كثرة الأصحاب والأتباع، وقال جعفر الصادق: نور في قلبه ودله عليه وقطعه عما سواه، وقال أيضًا: هو الشفاعة، وقال هلال بن يساف: هو التوحيد، وقوله تعالى: {فصلّ لربك وانحر} أمر بالصلاة على العموم، ففيه المكتوبات بشروطها والنوافل على ندبها، والنحر: نحر البدن والنسك في الضحايا في قول جمهور الناس، فكأنه قال: ليكن شغلك هذين، ولم يكن في ذلك الوقت جهاد، وقال أنس بن مالك: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: ينحر يوم الأضحى قبل الصلاة، فأمر أن يصلي وينحر وقاله قتادة، والقرطبي وغيره في الآية طعن علي كفار مكة، أي إنهم يصلون لغير الله مكاء وتصدية، وينحرون للأصنام ونحوه، فافعل أنت هذين لربك تكن على صراط مستقيم، وقال ابن جبير: نزلت هذه الآية يوم الحديبية وقت صلح قريش قيل لمحمد صلى الله عليه وسلم: صل وانحر الهدي، وعلى هذا تكون الآية من المدني، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: معنى الآية: صل لربك وضع يمينك على شمالك عند نحرك في الصلاة، فالنحر على هذين ليس بمصدر نحر بل هو الصدر، وقال آخرون المعنى: ارفع يدك في استفتاح صلاتك عند نحرك، وقوله تعالى: {إن شانئك هو الأبتر} رد على مقالة كان كثير من سفهاء قريش يقولها لما لم يكن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولد فكانوا يقولون: هو أبتر يموت فنستريح منه ويموت أمره بموته، فقال الله تعالى وقوله الحق: {إن شانئك هو الأبتر}، أي المقطوع المبتور من رحمة الله تعالى ولو كان له بنون فهم غير نافعيه، (والشانئ): المبغض، وقال قتادة {الأبتر} هنا يراد به الحقير الذليل، وقال عكرمة: مات ابن للنبي صلى الله عليه وسلم فخرج أبو جهل يقول: بتر محمد، فنزلت السورة، وقال ابن عباس: نزلت في العاصي بن وائل سمى النبي صلى الله عليه وسلم حين مات ابنه عبد الله أبتر. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)}
وفي {الكوثر} ستة أقوال:
أحدها: أنه نهر في الجنة.
روى البخاري في أفراده من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب الدُّرِّ المجوَّف. قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك عز وجل، فإذا طِينُه، أو طيبه، مسك أذفر».
وروى مسلم أيضًا في أفراده من حديث أنس أيضًا قال: «أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة، ثم رفع رأسه متبسِّمًا إما قال لهم، وإما قالوا له: لم ضَحِكْتَ؟ فقال: إنه أُنزل على الآن آنفًا سورة. فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم {إنا أعطيناك الكوثر} حتى ختمها.
وقال: هل تدرون ما الكوثر؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير تَرِدُ عليه أُمتي يوم القيامة آنيته عدد كواكب السماء، يختلج العبد منهم، فأقول: يا رب إنه من أمتي، فيقال لي: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك»
.
والثاني: أن الكوثر: الخير الكثير الذي أُعْطِيَ نبيُّنا صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس.
والثالث: العلم والقرآن، قاله الحسن.
والرابع: النبوة، قاله عكرمة.
والخامس: أنه حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يكثر الناس عليه، قاله عطاء.
والسادس: أنه كثرة أتباعه، وأمته، قاله أبو بكر بن عياش.
قوله تعالى: {فصل لربك} في هذه الصلاة ثلاثة أقوال.
أحدها: صلاة العيد.
وقال قتادة: صلاة الأضحى.
والثاني: صلاة الصبح بالمزدلفة، قاله مجاهد.
والثالث: الصلوات الخمس، قاله مقاتل.
وفي قوله تعالى: {وانحر} خمسة أقوال.
أحدها: اذبح يوم النحر، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال عطاء، ومجاهد، والجمهور.
والثاني: وضع اليمين على اليسرى عند النحر في الصلاة.
والثالث: أنه رفع اليدين بالتكبير إلى النحر، قاله أبو جعفر محمد بن علي.
والرابع: أن المعنى: صل لله، وانحر لله، فإن ناسًا يصلون لغيره، وينحرون لغيره، قاله القرظي.
والخامس: أنه استقبال القبلة بالنحر، حكاه الفراء.
قوله تعالى: {إن شانئك} اختلفوا فيمن عنى بذلك على خمسة أقوال.
أحدها: أنه العاص بن وائل السهمي، قاله ابن عباس: نزلت في العاص ابن وائل، لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب المسجد فوقف يحدثه حتى دخل العاص المسجد، وفيه أُناس من صناديد قريش، فقالوا له: مَن الذي كنتَ تُحَدِّث؟ قال: ذاك الأبتر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا يسمون من ليس له ابن: أبتر، فأنزل الله عز وجل هذه السورة.
وممن ذهب إلى أنها نزلت في العاص سعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة.
والثاني: أنه أبو جهل، روي عن ابن عباس أيضًا.
والثالث: أبو لهب، قاله عطاء.
والرابع: عقبة بن أبي معيط، قاله شمر بن عطية.
والخامس: أنه عنى به جماعة من قريش، قاله عكرمة.
والشانئ: المبغض، والأبتر: المنقطع عن الخير. اهـ.